!
معركة القاهرة ستحسم تأشيرة المونديال: ''الخضر'' على موعد مع
ستتوقف الحياة لمدة 90 دقيقة في كل من الجزائر ومصر يوم السبت القادم بدءا من الساعة السابعة مساء وإلى غاية التاسعة ليلا، حيث تتوجه الأنظار إلى ملعب القاهرة الذي سيكون مسرحا للقاء ليس ككل اللقاءات، لأنه ببساطة سيمنح الضوء الأخضر لفريق على حساب آخر للانضمام إلى قائمة الفرق التي حجزت مكانها في العرس الكروي القادم، ونقصد به كأس العالم. كما ستكون نهاية المواجهة بين المنتخبين الجزائري والمصري فأل خير على طرف وشؤم على آخر، إذ في الوقت الذي ستقام الأفراح في بلد، سيخيم نوع من الحزن والكآبة في بلد آخر، وذلك منطق الكرة التي يدخل السعادة ويجلب الحسرة والكآبة في آن واحد والكل يخضع لحساباتها الموضوعية، وهو ما يتطلب من ممارسيها احترامها ومداعبتها والاستعداد لمغامراتها من جميع النواحي، لأنها ببساطة ستنصف المتنافسين عليها بدون عاطفة ولا كبرياء، وموقعة القاهرة ستكون أحد فصول لعبة كرة القدم، وبالتأكيد سوف لن تكون الأخيرة.
وأخيرا دقَّت ساعة الحقيقة
بعد الترقب الطويل الذي طبع اللقاء الحاسم بين المنتخبين الجزائري والمصري لتحديد من سيكون له شرف التأهل إلى كأس العالم القادمة بجنوب إفريقيا، وبعد الحرب النفسية والإعلامية التي تخللت كل هذه المرحلة، ستدق ساعة الحقيقة بعد ثلاثة أيام بالتقاء التشكيلتين على أرضية ملعب القاهرة خلال 90 دقيقة قد تكون كافية لإنهاء ''السوسبانس'' الذي رافق الجمهور الكروي في البلدين.
الثابت أن المرحلة الأخيرة (اللقاء) التي سيقبل عليها المنتخبان الجزائري والمصري تختلف بالتأكيد عن كل المراحل الأخرى التي عرفتها هذه المواجهة، بدءًا بالنتائج التي حققها كل فريق، وكذا الحرب الإعلامية التي حدثت ومرورا بالاستعدادات الحديثة التي قام بها الفريقان تأهبا لهذا الموعد الهام، وانتهاء بالتكتم والسرية الذي انتهجه كل طرف للإيقاع بخصمه.
فيوم 41 نوفمبر القادم سيسقط القناع وتنكشف الأمور ويحدد الميدان من كان على صواب ومن أخطأ في حق الآخر، عندما زايد عليه وتطاول عليه، بل واستصغره وظفر بالتأشيرة كلاميا.
والثابت كذلك أن مجريات اللقاء ستتحكم فيها عدة عناصر معروفة لدى الجميع وهي مدى جاهزية كل تشكيلة، نفسيا، بدنيا، وتكتيكيا وتقنيا، وهي مبادئ بسيطة في كرة القدم يشترط في الفريق الذي يريد تحقيق نتيجة أن يتمكن منها.
والثابت كذلك أن الميدان يكرم فيه اللاعب أو يهان، ومن ثم فإن مردود كل فريق لن يستفيد من كل ما كتب وقيل، سواء تعلق الأمر بتصريحات المعنيين مثل المدربين، اللاعبين أو مسؤولي الكرة في البلدين، أو ما حاولت وسائل الإعلام المختلفة الترويج له أو تفسيره وفق معطيات اتسمت في كثير من الأحيان بالذاتية في الحديث عن هذه المواجهة بهدف التأثير على الطرف الآخر.
ولما كانت لعبة كرة القدم لغة عالمية يفهمها الجميع، فإن المنتصر فيها عليه أن يتحلى ببعض مميزاتها كتقديم مستوى فني راق، والنجاح في رسم خطة تكتيكية تضمن الفرجة للشغوفين بها والتواقين إلى نكهتها اللامتناهية.
ولما كانت هذه الرياضة المحبوبة لا تحسب أصلا على العلوم الدقيقة التي تحدد النتائج فوق الورق والنجاح فيها يبقى رهينة عطاءات ممارسيها، فهي تمقت المحاباة والرأفة والخضوع لنزوات وآمال محبيها ومنشطيها، وتتمسك بالمجهود الذي يبذل من أجلها كحسن مداعبتها وتمريرها وتسجيلها في الشباك كآخر محطة لممارستها.
مستوى المنتخبين في الميزان
ولنترك بديهيات الممارسة الكروية ونعرّج على موقعة القاهرة التي انتظرها الجميع، وهناك نجد أنفسنا أمام مفارقات ومقاربات بل وتناقض في وضعية المنتخبين المتنافسين، ونقصد بهما الجزائر ومصر.
فلا يخفى على أحد مشوار كل منتخب في هذه التصفيات والنتائج التي حققها لحد الآن.. والتي تعطي الأفضلية لمنتخبنا الوطني طالما أنه حقق أربعة انتصارات وتعادلا واحدا في خرجاته الخمس، في الوقت الذي تميز مشوار المصريين بثلاثة انتصارات، هزيمة وتعادل، وهو ما أهل الجزائر لاحتلال الرتبة الأولى منذ انطلاق لقاءات هذه المجموعة بدون منازع بأحسن هجوم وأحسن دفاع، ناهيك عن المردود الطيّب والمستقر الذي قدمه زياني طيلة مشواره، وهو الأمر الذي لم يستطع المصريون تحقيقه، حيث جاءت نتائجهم ومردودهم الميداني مخيبا للآمال بعد أن أظهروا محدودية كبيرة في تعاطيهم مع لقاءات المجموعة بما فيها تلك التي حققوا فيها الفوز أمام رواندا ذهابا وإيابا وزامبيا إيابا.
ورغم ما قيل عن الوجه الذي طالعتنا به التشكيلة المصرية والتعاليق الداخلية والخارجية التي تناولت عطاءاتها الميدانية، إلا أن ذلك لم يؤثر على مكانتهم في المجموعة وهم اليوم يتطلعون إلى اللعب على ورقة المونديال، بعد النتائج التي أفرزتها الجولات الخمسة التي جرت لحد الآن.
ولئن كنا لا نستطيع الحكم عن الطريقة التي استطاع بها المنتخب المصري بقيادة مدربه حسن شحاتة، مثل الأقوال التي ذهبت إلى حد الجزم بأن عمل الكواليس خلال لقاءيه برواندا وزامبيا هو الذي سمح له بالإبقاء على حظوظه إلى آخر جولة من التصفيات، فإن ذلك لن يغير في الأمر شيئا طالما أن عودة الأمل اليوم للفراعنة بات حقيقة وبلوغه يبقى أمرا ممكنا على الأقل في أذهان كل مواطن مصري، وهو طموح مشروع لا نقاش فيه، حتى وإن كانت كل المؤشرات تذهب إلى الاعتقاد بأن مهمة الفراعنة لن تكون سهلة أمام تشكيلة سعدان التي لم تنهزم لحد الآن، وتلقت هدفين فقط في خرجاتها، وبالنظر إلى قوة الدفاع الجزائري الذي أبان عن إمكانات كبيرة جلبت إليها الأنظار، وهو عكس الدفاع المصري الذي أظهر عدة نقاط ضعف ولم يقدم ما كان منتظرا منه لحد الآن، رغم الانتصارات الثلاثة التي حققها الفراعنة أمام زامبيا ورواندا.
وإذا انتقلنا إلى وسط الميدان، فإن المنتخب المصري لم يقدر على مسايرة ريتم اللقاءات التي أجراها ضد منافسيه وآخرهم منتخب تانزانيا الضعيف جدا، وما يؤخذ على هذا الخط هو الاكتفاء بشوط واحد يقدم فيه مردودا مقبولا قبل أن يتراجع في الشوط الثاني. وهو جانب سلبي أشار إليه بعض المختصين المصريين أنفسهم الذين لم يجدوا تفسيرا لتراجع عطاء المنتخب المصري بصفة عامة وخط الوسط بصفة خاصة خلال المرحلة الثانية من المواجهات التي لعبها.
وإذا تحدثنا عن القاطرة الأمامية للفراعنة فكل الآمال معلقة على عمرو زكي ومحمد زيدان ومتعب لقلب الموازين وإحداث الفارق أمام الجزائر، غير أن مهمة هذه الأسماء ستكون صعبة للغاية في ظل وجود ركيزة دفاعية قوية لمنتخبنا.
هل يكفي الجمهور لوحده؟
من بين العناصر الأساسية التي يعوّل عليها المنتخب المصري لترجيح الكفة لصالحه، يمكن ذكر الجمهور الذي ستكتظ به مدرجات ملعب القاهرة، حيث سيكون بمثابة السند القوي لأبو تريكة ورفاقه من أجل قلب الموازين ومباغتة الخصم، لكن وبالنظر إلى المعطيات التي ستتخلل المقابلة، فإن الاعتماد فقط على المساندة الجماهيرية قد لا تنفع مجموعة شحاتة، طالما وأن تواجد لاعبين محترفين في الجهة المقابلة قد لا يساعد على نجاعة هذا العنصر الذي اعتمد عليه الفراعنة سابقا، لكن مع مرور الوقت لم يعد له الأثر الإيجابي طالما وأن المردود الذي بات يقدمه المنتخب المصري لم يرق في السنوات الأخيرة إلى درجة جيدة يسمح للجماهير المصرية بالتعامل معه إيجابيا، لأن الجمهور أيا كان نوعه وموقعه أو جنسيته لا يقبل بأي حال من الأحوال ألا ترافق صيحاته وتشجيعاته ومؤازرته لفريقه عروضا كروية موازية حتى تتناغم معه، فكم من فريق ذهب ضحية غضب جمهوره بعد أن يتحول من دور المشجع الإيجابي إلى دور المؤثر السلبي إذا رأى بأن هتافاته لم تنفع ولم تساهم في إنعاش مردود فريقه، وهو ما يجعلنا نتنبأ برد فعل قوي من الجماهير المصرية يوم اللقاء، خاصة إذا قدم المصريون مردودا مشابها لذلك الذي اقترحوه على جماهيرهم، سواء تعلق الأمر باللقاءات التي جرت بالقاهرة أو تلك التي لعبها الفراعنة خارج قواعدهم، وهذا حسب بعض المحللين والمختصين المصريين أنفسهم، حيث أجمعوا كلهم على أن فوز المنتخب المصري على زامبيا لم يقنع، وفوزهم ذهابا وإيابا على رواندا لم يشف غليلهم، وانهزامهم التاريخي أمام الجزائر بالبليدة كان منطقيا ويعكس المعطيات والمردود الذي قدمه كل فريق فوق الميدان.
ولا شك في أن السواد الأعظم من الإخوة المصريين يدركون حجم منتخبهم هذا العام، ويعون بأنه لم يعد ذلك الشبح الذي تخافه المنتخبات التي تحط الرحال بأرض مصر، فهم مقتنعون بأن العروض الكروية التي يقدمها حاليا باتت هزيلة وغير مقنعة، وهو ما سيجعل حظوظه في تسجيل عدد كبير من الأهداف أمام الجزائر مهمة صعبة وغير مضمونة على الأقل إذا اعتمدنا على إمكانات الفراعنة التي وقفنا عليها حتى الآن. وهكذا ونظير التفاؤل المفرط الذي أبان عنه بعض المتعصبين لوصول المصريين إلى المونديال، فإن ثمة أمورا وضوابط يجب مراعاتها، إذ لا يكفي أن تلعب فوق ميدانك وأمام جمهورك لتستطيع العبث بمنافسك. وقد علمتني لعبة كرة القدم بأن التكهن بالنتيجة مسبقا رهان فاشل وصعب التحقيق طالما أن المواجهة مهما كان حجمها يتوقف على قدرة كل طرف على الإقناع داخل الملعب وتبيان تفوقه ومهارته في التعامل مع معطيات اللقاء واختيار الوقت المناسب لمباغتة خصمه، وعندها فقط يمكن للفريق أن يحقق الفوز وطموحه في التأشيرة.
بقيت الإشارة إلى نقطة واحدة وهي أن كل ما قلناه عن المنتخب المصري أو الجزائري لا يعدو مجرد ملاحظات وقراءات مسبقة عن موقعة القاهرة والتي استندنا فيها إلى مؤشرات موضوعية وواقعية بالنظر إلى المستوى الذي قدمه كل طرف منذ بداية التصفيات، ويبقى عامل التحضير النفسي والبسيكولوجي لمثل هذه المواجهات مهما في معادلة كل طرف، لأن اللقاء ورغم أنه يجري فوق الميدان، إلا أن حساباته وتأثيراته تتحملها أذهان اللاعبين والمدربين، وأي نقص في هذا التحضير سيؤثر بشكل كبير على فيزيونومية اللقاء وكذا النتيجة النهائية.